فصل: تفسير الآيات (184- 185):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: معالم التنزيل المشهور بـ «تفسير البغوي»



.تفسير الآيات (184- 185):

{فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ جَاءُوا بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَالْكِتَابِ الْمُنِيرِ (184) كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلا مَتَاعُ الْغُرُورِ (185)}
{فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ جَاءُوا بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ} قرأ ابن عامر {وبالزبر} أي: بالكتب المزبورة يعني: المكتوبة، واحدها زبور مثل: رسول ورُسُل، {وَالْكِتَابِ الْمُنِيرِ} الواضح المضيء.
قوله عز وجل: {كُلّ نَفْسٍ} منفوسة، {ذَائِقَة الْمَوْتِ} وفي الحديث: «لمّا خلق الله تعالى آدم اشتكت الأرض إلى ربها لما أخذ منها فوعدَها أن يرُدَّ فيها ما أخذ منها فما من أحد إلا يدفن في التربة التي خلق منها»، {وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ} توفون جزاء أعمالكم، {يَوْمَ الْقِيَامَةِ} إن خيرا فخير وإن شرا فشر، {فَمَنْ زُحْزِحَ} نُجيِّ وأزيل، {عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ} ظفر بالنجاة ونجا من الخوف، {وَمَا الْحَيَاة الدُّنْيَا إِلا مَتَاع الْغُرُورِ} يعني منفعة ومتعة كالفأس والقدر والقصعة ثم تزول ولا تبقى.
وقال الحسن: كخضرة النبات ولعب البنات لا حاصل له.
قال قتادة: هي متاع متروكة يوشك أن تضمحل بأهلها فخذوا من هذا المتاع بطاعة الله ما استطعتم والغرور: الباطل.
أخبرنا أحمد بن عبد الله الصالحي، أخبرنا أبو بكر أحمد بن الحسن الحيري، أنا حاجب بن أحمد الطوسي، أخبرنا محمد بن يحيى، أخبرنا بن هارون، أخبرنا محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يقول الله تعالى: أعددتُ لعبادي الصالحين ما لا عينٌ رأتْ ولا أذن سمعتْ ولا خطر على قلب بشر واقرءوا إن شئتم {فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون} [السجدة- 17] وإنَّ في الجنة شجرة يسير الراكب في ظلها مائة عام لا يقطعها واقرءوا إن شئتم: {وظل ممدود} [الواقعة- 30] ولموضعُ سوطِ في الجنة خيرٌ من الدنيا وما عليها واقرءوا إن شئتم {فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز وما الحياة الدنيا إلا متاع الغُرور}».

.تفسير الآية رقم (186):

{لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأمُورِ (186)}
{لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ} الآية قال عكرمة ومقاتل والكلبي وابن جريج: نزلت الآية في أبي بكر وفنحاص بن عازوراء. وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث أبا بكر إلى فنحاص بن عازوراء سيد بني قينقاع ليستمدّه، وكتب إليه كتابًا وقال لأبي بكر رضي الله عنه: «لا تفتاتَنَّ عليّ بشيء حتى ترجع» فجاء أبو بكر رضي الله عنه وهو متوشح بالسيف فأعطاه الكتاب فلما قرأه قال: قد احتاج ربُّك إلى أن نمده، فهم أبو بكر رضي الله عنه أن يضربه بالسيف ثم ذكر قول النبي صلى الله عليه وسلم: «لا تفتاتَنَّ علي بشيء حتى ترجع» فكف فنزلت هذه الآية.
وقال الزهري: نزلت في كعب بن الأشرف فإنه كان يهجو رسولَ الله صلى الله عليه وسلم ويسبُّ المسلمين، ويحرض المشركين على النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه في شعره ويشبب بنساء المسلمين، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «من لي بابن الأشرف فإنه قد آذى الله ورسوله»؟.
فقال محمد بن مسلمة الأنصاري: أنا لك يا رسول الله، أنا أقتله قال: «فافعل إن قدرت على ذلك».
فرجع محمد بن مسلمة فمكث ثلاثًا لا يأكل ولا يشرب إلا ما تعلق نفسه، فذُكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فدعاه وقال له: لم تركتَ الطعامَ والشرابَ؟ قال: يا رسول الله قلت قولا ولا أدري هل أفي به أم لا فقال: إنما عليك الجهد.
فقال: يا رسول الله إنه لابد لنا من أن نقول قال: قولوا ما بدا لكم فأنتم في حل من ذلك، فاجتمع في قتله محمد بن مسلمة وسَلْكانُ بن سلام وأبو نائلة، وكان أخا كعب من الرضاعة، وعباد بن بشر والحارث بن أوس وأبو عيسى بن جُبير فمشى معهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بقيع الغرقد ثم وجّههم، وقال: «انطلقوا على اسم الله اللهم أعنهم» ثم رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك في ليلة مقمرة.
فأقبلوا حتى انتهوا إلى حصنه فقدّموا أبا نائلة فجاءه فتحدث معه ساعة وتناشدا الشعر، وكان أبو نائلة يقول الشعر، ثم قال: ويحك يا ابن الأشرف إني قد جئتك لحاجة أريد ذكرها لك فاكْتُمْ عليّ قال أفعل قال: كان قدوم هذا الرجل بلادنا بلاءً عادتنا العربُ ورمونا عن قوس واحدة، وانقطعت عنا السبل حتى ضاعت العيال وجهدت الأنفس، فقال كعب: أنا ابن الأشرف أمَا والله لقد كنت أخبرتك يا بن سلامة أن الأمر سيصير إلى هذا، فقال أبو نائلة: إن معي أصحابا أردنا أن تبيعنا طعامَك ونرهنك ونوثّق لك وتحسن في ذلك قال: أترهنوني أبناءكم قال: إنا نستحي إن يعير أبناؤنا فيقال هذا رهينةُ وَسْقٍ وهذا رهينة وسْقَينْ قال: ترهنوني نساءكم قالوا: كيف نرهُنك نساءنا وأنت أجمل العرب ولا نأمنك وأية امرأة تمتنع منك لجمالك؟ ولكنا نرهنك الحلقة يعني: السلاح وقد علمت حاجتنا إلى السلاح، قال: نعم وأراد أبو نائلة أن لا ينكر السلاح إذا رآه فوعده أن يأتيه فرجع أبو نائلة إلى أصحابه فأخبرهم خبره.
فأقبلوا حتى انتهوا إلى حصنه ليلا فهتف به أبو نائلة وكان حديث عهد بعرس، فوثب من ملحفته فقالت امرأته: أسمع صوتا يقطر منه الدم، وإنك رجل محارب وإن صاحب الحرب لا ينزل في مثل هذه الساعة فكلِّمْهم من فوق الحصن فقال: إنما هو أخي محمد بن مسلمة ورضيعي أبو نائلة وإن هؤلاء لو وجدوني نائمًا ما أيقظوني، وإن الكريم إذا دعي إلى طعنة بليل أجاب، فنزل إليهم فتحدث معهم ساعة ثم قالوا: يا بن الأشرف هل لك إلى أن نتماشى إلى شعب العجوز نتحدث فيه بقية ليلتنا هذه؟ قال: إن شئتم؟ فخرجوا يتماشون وكان أبو نائلة قال: لأصحابه إني فاتل شعره فأشّمه فإذا رأيتموني استمكنت من رأسه فدونكم فاضربوه، ثم إنه شامَ يدَه في فودِ رأسه ثم شَمَّ يدَه فقال: ما رأيت كالليلة طيبَ عروس قط، قال: إنه طيب أم فلان يعني امرأته، ثم مشى ساعة ثم عاد لمثلها حتى اطمأن ثم مشى ساعة فعاد لمثلها ثم أخذ بفودي رأسه حتى استمكن ثم قال: اضربوا عدو الله فاختلفت عليه أسيافهم فلم تغن شيئا قال محمد بن مسلمة فذكرت مغولا في سيفي فأخذته وقد صاح عدو الله صيحةً لم يبق حولَنَا حصن إلا أوقدت عليه نار، قال فوضعته في ثندوته ثم تحاملت عليه حتى بلغت عانته ووقع عدو الله، وقد أُصيب الحارث بن أوس بجرح في رأسه أصابه بعض أسيافنا، فخرجنا وقد أبطأ علينا صاحبنا الحارث ونزفه الدم، فوقفنا له ساعة ثم أتانا يتبع آثارَنا فاحتملناه فجئنا به رسول الله آخر الليل وهو قائم يصلي فسلمنا عليه فخرج إلينا فأخبرناه بقتل كعب وجئنا برأسه إليه وتفل على جُرح صاحبنا.
فرجعنا إلى أهلنا فأصبحنا وقد خافت يهود وقعتنا بعدو الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من ظفرتم به من رجال يهود فاقتلوه» فوثب مُحَيَّصَةُ بن مسعود على سُنَيْنَة رجل من تجار اليهود كان يلابسهم ويبايعهم فقتله وكان حُوَيِّصَة بن مسعود إذْ ذَاك لم يُسْلم وكان أسنَّ من محيصة فلما قتله جعل حويصة يضربه ويقول: أيْ عدو الله قتلته أما والله لرُبّ شحم في بطنك من ماله.
قال محيصة: والله لو أمرني بقتلك من أمرني بقتله لضربت عنقك، قال: لو أمركَ محمد بقتلي لقتلتني؟ قال: نعم قال والله إن دينا بلغ بك هذا لعجب؟! فأسلم حويصة وأنزل الله تعالى في شأن كعب: {لَتُبْلَوُنّ} لتخبرنّ اللام للتأكيد وفيه معنى القسم، والنون لتأكيد القسم {فِي أَمْوَالِكُمْ} بالجوائح والعاهات والخسران {وَأَنْفُسِكُمْ} بالأمراض وقيل: بمصائب الأقارب والعشائر، قال عطاء: هم المهاجرون أخذ المشركون أموالهم ورِبَاعَهم وعذّبُوهم وقال الحسن: هو ما فرض عليهم في أموالهم وأنفسهم من الحقوق، كالصلاة والصيام والحج والجهاد والزكاة، {وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ} يعني: اليهود والنصارى، {وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا} يعني: مشركي العرب، {أَذًى كَثِيرًا وَإِنْ تَصْبِرُوا} على أذاهم {وَتَتَّقُوا} الله، {فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأمُورِ} من حق الأمور وخيرها وقال عطاء: من حقيقة الإيمان.

.تفسير الآية رقم (187):

{وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلا فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ (187)}
{وَإِذْ أَخَذَ اللَّه مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّه لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ} قرأ ابن كثير وأهل البصرة وأبو بكر بالياء فيهما لقوله تعالى: {فَنَبَذُوه وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ} وقرأ الآخرون بالتاء فيها على إضمار القول، {فَنَبَذُوه وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ} أي: طرحوه وضيّعوه وتركوا العمل به، {وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلا} يعني: المآكل والرُّشا، {فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ} قال قتادة: هذا ميثاق أخذه الله تعالى على أهل العلم فمن علم شيئا فليُعَلِّمْه وإياكم وكتمان العلم فإنه هلكة.
وقال أبو هريرة رضي الله عنه: لولا ما أخذ الله على أهل الكتاب ما حدثتكم بشيء ثم تلا هذه الآية {وَإِذْ أَخَذَ اللَّه مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ} الآية.
حدثنا أبو الفضل زياد بن محمد الحنفي، أخبرنا أبو معاذ الشاه بن عبد الرحمن، أخبرنا أبو بكر عمر بن سهل بن إسماعيل الدينوري، أخبرنا أحمد بن محمد بن عيسى البرتيّ، أخبرنا أبو حذيفة موسى بن مسعود أخبرنا إبراهيم بن طهمان عن سماك بن حرب، عن عطاء بن أبي رباح، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من سُئل عن علم يَعْلَمَه فكتمه أُلِجْمَ يوم القيامة بلجام من نار».
وقال الحسن بن عمارة: أتيت الزهري بعد أن ترك الحديث فألفيته على بابه فقلت: إن رأيتَ أن تحدثني؟ فقال: أما علمتَ أني قد تركتُ الحديث؟ فقلت: إمّا أن تحدثني وإما أن أحدثك فقال: حدثني فقلت: حدثني الحكم بن عتيبة عن يحيى بن الجزار قال: سمعتُ علي بن أبي طالب رضي الله عنه يقول: ما أخذ الله على أهل الجهل أن يتعلّموا حتى أخذ على أهل العلم أن يُعَلِّموا قال: فحدثني أربعين حديثا.

.تفسير الآية رقم (188):

{لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِنَ الْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (188)}
قوله: {لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا} الآية قرأ عاصم وحمزة والكسائي {لا تَحْسَبَنَّ} بالتاء، أي: لا تحسبن يا محمد الفارحين وقرأ الآخرون بالياء {لا يحسبن} الفارحُون فرحَهم مُنْجيا لهم من العذاب {فلا يحسبنهم} وقرأ ابن كثير وأبو عمرو: بالياء وضم الباء خبرًا عن الفارحين، أي فلا يحسبُنّ أنفسهم، وقرأ الآخرون بالتاء وفتح الباء أي: فلا تحسبنّهم يا محمد وأعاد قوله: {فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ} تأكيدًا وفي حرف عبد الله بن مسعود {لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا بِمَفَازَةٍ مِنَ الْعَذَابِ} غير تكرار.
واختلفوا فيمن نزلت هذه الآية أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي، أنا أحمد بن عبد الله النعيمي، أنا محمد بن يوسف، أنا محمد بن إسماعيل، أنا سعيد بن أبي مريم، أنا محمد بن جعفر، حدثني زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري أن رجالا من المنافقين على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا إذا خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الغزو تخلفوا عنه وفرحوا بمقعدهم خلاف رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم اعتذروا إليه وحلفوا، وأحبوا أن يُحمدوا بما لم يفعلوا، فنزلت: {لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا} الآية.
أخبرنا عبد الواحد المليحي، أنا أحمد بن عبد الله النعيمي، أنا محمد بن يوسف، أنا محمد بن إسماعيل، أنا إبراهيم بن موسى، أنا هشام، أن ابن جريج أخبرهم: أخبرني ابن أبي مليكة أن علقمة بن وقاص أخبره أن مروان قال لبوابه: اذهب يا رافع إلى ابن عباس رضي الله عنهما فقل له: لئن كان كل امرئ فرح بما أوتي وأحب أن يحمد بما لم يفعل معذبًا لنعذبن أجمعون فقال ابن عباس: ما لكم ولهذه إنمّا دعا النبي صلى الله عليه وسلم يهود فسألهم عن شيء فكتموه إياه فأخبروه بغيره فأروه أن قد استُحمدوا إليه بما أخبروه عنه فيما سألهم، وفرحوا بما أتوا من كتمانهم، ثم قرأ ابن عباس رضي الله عنهما {وَإِذْ أَخَذَ اللَّه مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ} كذلك حتى قوله: {يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا}.
قال عكرمة: نزلت في فنحاص وأُشيَع وغيرهما من الأحبار يفرحون بإضلالهم الناس وبنسبة الناس إياهم إلى العلم وليسوا بأهل العلم. وقال مجاهد: هم اليهود فرحوا بإعجاب الناس بتبديلهم الكتاب وحمدهم إياهم عليه.
وقال سعيد بن جبير: هم اليهود فرحوا بما أعطى الله آل إبراهيم وهم برآء من ذلك.
وقال قتادة ومقاتل: أتت يهود خيبر نبي الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: نحن نعرفك ونصدقك وإنا على رأيكم ونحن لكم ردء، وليس ذلك في قلوبهم فلما خرجوا قال لهم المسلمون: ما صنعتم؟ قالوا: عرفناه وصدقناه فقال لهم المسلمون: أحسنتم هكذا فافعلوا فحمدوهم ودعوا لهم فأنزل الله تعالى هذه الآية وقال: {يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا} قال الفراء بما فعلوا كما قال الله تعالى: {لقد جئت شيئا فريا} [مريم- 27] أي: فعلت، {وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ} بمنجاة، {مِنَ الْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}.

.تفسير الآيات (189- 190):

{وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (189) إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لأولِي الألْبَابِ (190)}
{وَلِلَّهِ مُلْك السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ} يصرفها كيف يشاء، {وَاللَّه عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}.
{إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لأولِي الألْبَابِ} أخبرنا الإمام أبو علي الحسين بن محمد القاضي، أنا أبو نعيم عبد الملك بن الحسين الإسفرايني، أنا أبو عوانة يعقوب بن إسحاق الحافظ، أنا أحمد بن عبد الجبار، أنا ابن فضيل، عن حصين بن عبد الرحمن، عن حبيب بن أبي ثابت، عن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس، عن أبيه عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أنه رَقَدَ عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فرآه استيقظ فتسوّك ثم توضأ وهو يقول: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ} حتى ختم السورة ثم قام فصلى ركعتين فأطال فيهما القيام والركوع والسجود، ثم انصرف فنام حتى نفخ ثم فعل ذلك ثلاثَ مرات ست ركعات كل ذلك يستاك ثم يتوضأ ثم يقرأ هؤلاء الآيات، ثم أوتر بثلاث ركعات ثم أتاه المؤذن فخرج إلى الصلاة وهو يقول: «اللهم اجعل في بصري نورًا وفي سمعي نورًا وفي لساني نورًا واجعل خلفي نورًا وأمامي نورًا واجعل من فوقي نورًا ومن تحتي نورًا اللهم أعطني نورا».
ورواه كريب عن ابن عباس رضي الله عنهما وزاد: «اللهم اجعل في قلبي نورًا وفي بصري نورًا وفي سمعي نورًا وعن يميني نورًا وعن يساري نورًا».
قوله تعالى: {لآيَاتٍ لأولِي الألْبَابِ} ذوي العقول ثم وصفهم فقال: